وحيدًا أنزل عن الكرمل | شعر

كارولين جرابوسكا

 

رامي ونِعْمِة وأنا، نازلون عن الكرمل

في الطريق إلى الكبابير

صعودًا في درج الورد

حاملين عرقًا وزغبًا بكرًا

رامي... وأنا

 

إلى البيت

 

البيت كان يعني

أن أمشي

جوار رامي

من الألمانيّة إلى الكبابير

 

صباحي الأحدب

الّذي يبدأ في الهادار

عند السادسة والنصف صباحًا

يلتقط العشب الطالع

في وادي النسناس

الّذي حجارته مِنْ بركان الفقد

 

وسماء حيفا في الصباح

نحو الميناء

حُبٌّ نبتتْ على وجنتيه

الخسارات

 

نِعْمِة، ورامي، وأنا

مشينا حيفا

ومشتْ فينا حيفا على سببٍ رفيع

كان لينقطع

لولا سكينة «ستيلا مارس»

في نمش الظهيرة

وبواخر المتوسّط الذائبة في الغيم

 

لم أحلم يومًا

أن أكتب اسمي في قصيدة

إلى جانب

رامي ونِعْمِة

 

جاء الوقت المؤجّل

كي أنادي الطريق الّتي كنّا فيها

نتذرّع بالخوف

ونحلّق فوق عبّاس

ونسعى في الكرمل سعيًا

ولا نهجر ريح الشمال

في الراسيات الخالدات

 

كنّا ننزل عن الكرمل

بحزنٍ أقلّ

حالمين بأنّ الدنيا

شربة ماء

في تليين القيظ

وأنّ الهواء الملوّث جنّة

وأنّ الرفاق لا تفرّقهم سبل النسيب

 

وهكذا صرتُ وحيدًا

اليوم

كلّما نزلتُ عن الكرمل

 

 

 

مثلك... أحبّ هذه الأغنية الكرديّة

إلى مروان علي

أحبّ هذا الشعر

الّذي إذا شَرِبَتْه جدّتي

ارتوتْ

وإذا أَخَذْتُهُ معي إلى البيت

رأيتُ فيه كرصور

 

أحبّ هذا الشعر

الواقف على رؤوس أصابعه

قائلًا:

إنّي أرى العالم كلّه

هذا الصدق لن تراه في أعتى العواصم

 

أحبّ هذا الشعر

حين ترتجف ’الزاي‘ الكرديّة

وتختلط ’بالظاء‘ العربيّة

أتلمّس كرديّتي

مثلما تتنفّس عربيّتك!

 

أحبّ هذا الشعر

وهو يقصم ظهر المسألة الكرديّة

وتسحب البلاد به على ظهرك

بأبسط الأشياء

بمواسم صيد الطير الحرّ

وأنا مثلك

أحبّ هذه الأغنية الكرديّة!

 

 

 

وردٌ لسلالة الغريب

كأنّ كلّ الماء اشتهاءٌ

متناسلًا يشتهي

دمَكْ

 

الغريب ينفخ

وردة المأزق الكبير

منكَ

وشاطئكَ نار المقبل المرتحل

*

 

غريبًا

أعني حجرًا خارج نهره

والزمن الأحجية

حاملًا مرثيّة المسافة

مجروحًا بالغبار؛

كلّ ما أضعتُه في الطريق

ردّني إلى خطأ الشمس

غريبًا

على العتبات

*

 

ما دام دمنا ماءً

وأسراب العتاب صحراءَ

ما دام البرد وصحون الشظف صهوة ليلنا

وضوء القمر مرضًا

وما دام قمحنا زؤانًا

ومرجنا ذابلًا

وما دامت الطيور هاجرةً نوافذنا

والبحر لافظًا أسماكنا

ما دام كلّ الدم ماءً حرامًا

فما حاجة الغريب

لشجرة العمى

وجهة الضياع!

*

 

ورثتُ الخيمة وحدها

وحملتُ الرمال صاحبًا

في سبل الريح ومعاجمها

 

أرثي ها هنا خوفي وخوفكَ

ولا أدعوكَ

إلّا لتسكن ما فات منكَ

أو ما لن تكونه

على شكلٍ يَشْكُلُ ريحكَ

مسافاتكَ

وذراكَ

واقتباس الطفل منكَ؛

يبني القصر الشكل

ويهدم الحاضر رملًا

ببساطته

تلك حقيقةٌ حبلى بالمطلقِ

تتبعك!

*

 

لأنّ البحر لا يحتمل كلّ السعة

يضيق صدر ديك الجنّ الحمصيّ

ولأنّنا حين ننظر بدهشةٍ إلى العصافير

ونخشى مِنَ الجَمال المعلّق

نعثر على سلالة شاعرٍ آخر معلّقةً

على فرع سنديانةٍ عظيمةٍ

حُفِرَ عليها:

"غريبًا... لا يُشْبِعُ مائي وردةً."

*

 

لماذا أنتَ ودودٌ إليّ

وترمي لي ورق وردٍ

في فناءٍ رطبٍ

وتكسر ما بداخلي

مِنْ عظم الماضي الهشّ

وتتركني بالدم أقاسي

 

اِسْتَبْدِلْ دمي بماءٍ عذبٍ

حتّى أصير واحةً للعقبان

تأتيني بعد سفر

 

وإن طعنتَ جلدي

فَلِكَيْ يتفتّتَ قمحًا مثابرًا

ويذوب هذا الجسد في العناصر

 

أنا مثلكَ يا غريب

أحبّ هذا الموت

*

 

ثنائيّةٌ للحياة

والدم الماء

والشكل طاعتنا العمياء في المحار الأبعد

واحتراقنا وعدٌ للضوء

أن يا خوف اِتْبَعْهُ كفراشة

 

وهذا الموت انتباهٌ للناس

ووردٌ لَكَ يا غريب

 


 

علي قادري

 

 

من مواليد قرية نحف في الجليل. شاعر ومعلّم للغة والأدب العربيّين في المرحلة الثانويّة بمدرستي "مسار" – الناصرة، و"ابن سينا" - نحف. يعمل محرّرًا أدبيًّا لمجلّة "الغد الجديد" الثقافيّة، الصادرة عن جمعيّة المنار للثقافة والهويّة الفلسطينيّة. له مجموعة شعريّة بعنوان "ثلاثون خرابًا... وجثّة".